االاخلاص لله
لإخلاص شرط من شروط قبول الأعمال عند الله، وبه ينال الإنسان النجاة في الدنيا والآخرة. فهذا نداء لإعمار القلوب بالإخلاص وتجريد العمل لله سبحانه وتعالى.
أهمية الإخلاص في حياة المسلم
الحمد لله أمر ألا نعبد إلا إياه، فله العبادة الخالصة، والقدرة النافذة، والحكمة البالغة، أحمده تعالى وأشكره على نعمه السابغة، وأشهد أن لا إله إلا الله مخلصاً له الدين، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، أخشى الأمة لله وأتقاها وأخلصها له، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله، ورضي الله عن صحابته الكرام، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان.
أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله عز وجل، وأخلصوا له في الأقوال والأفعال، فإن الإخلاص لله أهم شرط في قبول العمل، فالعمل لا يقبل إلا إذا كان خالصاً لوجه الله سبحانه، صواباً على وفق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الفضيل بن عياض رحمه الله في قوله تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [هود:7] قال: أخلصه وأصوبه، فإن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً.
وقد دل على ذلك نصوص الكتاب والسنة، قال الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] وقال جل وعلا: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:2-3].......
مدار الأعمال كلها على نية صاحبها
أخرج البخاري و مسلم عن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى... الحديث } فهذا الحديث العظيم قاعدة من قواعد الدين، وأصل من أصوله التي يدور الدين كله عليه، ومدار الأعمال كلها على نية صاحبها، والأمور بمقاصدها، وقد جاء هذا الحديث لتصحيح اتجاهات القلب، وضمان تجرده من الأهواء ولو كانت يسيرة، والنية هي: قصد العمل تقرباً إلى الله وطلباً لرضائه وثوابه، فيدخل في هذا نية العمل، ونية المعمول له، أما نية العمل من العبادات والمعاملات والعقود وغيرها، فإن النية داخلة فيها تميزها عن غيرها، وتميز بعضها عن بعض، وتحدد قصد صاحبها ومراده، فيجازى على حسب نيته، والله يعلم المفسد من المصلح قال تعالى: قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ [آل عمران:29].
وأما نية المعمول له، فهو الإخلاص لله في كل ما يأتي العبد ويذر، وفي كل ما يقول ويفعل، فيكون قصده في جميع أعماله رضا الله وطلب ثوابه من غير التفاف للخلق وتلمس رضاهم ورجاء نفعهم ومحمدتهم، بل يكون حريصاً على تحقيق الإخلاص وتكميله، ودفع كل ما يضاده من الرياء والسمعة وقصد المحمدة عند الناس ورجاء ثنائهم ومدحهم.
أقوال السلف في الإخلاص
إخوة الإسلام: إن الإخلاص لله دأب الصالحين، وسنة الأنبياء والمرسلين، فهذا أشرف الأمة وأفضلها وقدوتها عليه الصلاة والسلام يأمره ربه بقوله: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ [الزمر:11] إلى قوله سبحانه: قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي [الزمر:14]
وقال بعض السلف: ملاك هذه الأعمال النيات، فإن الرجل يبلغ بنيته ما لا يبلغ بعمله.
وقال آخر: لا يزال العبد بخير إذا قال، قال لله، وإذا عمل، عمل لله.
وعاتب بعضهم نفسه بقوله: يا نفس! أخلصي تتخلصي.
وقال بضعهم: طوبى لمن صحت له خطوة واحدة لا يريد بها إلا وجه الله تعالى.
الله أكبر! ما أعظم شأن الإخلاص، وما أعز أهله! لا سيما في أزمنة طغت فيها الماديات، وغلب على أهلها المطامع والشهوات، ونظر فيها إلى السائرين في برد الإخلاص نظرة استهانة وازدراء.